ثقافة سري وخاص: مخطّط للسيطرة على التلفزة الوطنية و»تركيعها»!
هذا الملف الذي سنتطرق اليه تباعا يمكن القول حسب ما رصدته مصادر أخبار الجمهورية انه مصنّف كسرّي في رئاسة الحكومة لذلك بقيت المعلومات حوله شحيحة جدا ولم يتسن معرفة الأمر إلا من خلال تقاطع بعض المعلومات وجمع المؤشرات الواردة من داخل التلفزة التونسية في الآونة الأخيرة، حيث تكاثرت إجتماعات المسؤولين والتواصل مع بعض القطاعات وخاصة الصحفيين لجسّ نبض ردود الفعل حول بعض التوجهات المستقبلية مثل إيقاف الإنتاج بالوطنية 2 وضم صحفييها للوطنية 1 وتوحيد بث وانتاج الأخبار بالقناتين لفائدة الأولى بالإضافة لمعلومة ننقلها بكل إحتراز وهي نقل كامل قسم الأخبار للعمل خارج المؤسسة..
اضافة الى عدول الإدارة عن الإلتزام بالإتفاقية الممضاة مع الطرف النقابي سابقا حول الإنهاء التام لكل مظاهر العمل في غير الصفة بل بالعكس الشروع في سياسة مناقضة تماما بإجراء رسكلة للأعوان ومطالبتهم بأداء مهام ليست من مشمولاتهم رغم مخالفة النظام الأساسي للأمر (مثل الطلب من المصورين القيام بمهام البث ومراقبة الصورة والتقاط الصوت وحتى السياقة بالنسبة للوحدات الجهوية بالإضافة لمهامهم الأصلية في التصوير بعدما طلب في السابق من الصحفيين تركيب تقاريرهم ..) وتفاصيل صغيرة أخرى كثيرة داخلية يطول شرحها...ليكون خطاب رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد في مجلس نواب الشعب وحديثه عن تسريح موظفي القطاع العمومي المؤشر الجديد عن وجود هذه الخطة.
نعود لأصل الحكاية أو «الخطة» التي إنطلقت منذ الأيام الأولى التي تلت 14جانفي حيث بقيت مؤسسة التلفزة التونسية مصدرا دائما للقلق المستمر والصداع المزمن لكل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة والتي فشلت في إيجاد صيغة واضحة للتعامل مع هذا المرفق العمومي والحساس وإشتركت كلها ـ أي الحكومات ـ في عدم الرضاء على مردود المؤسسة وكذلك في عدم الشروع في الإنجاز «العلني» لأي مشروع إصلاح أو إعادة هيكلة أو حتى التفاوض مع الهياكل الممثلة للقطاع حول ذلك رغم مطالبة هذه الأخيرة عديد المرات، وتعرضت التلفزة الوطنية خلال هذه الفترة وخاصة السنوات الأولى لهجمات متعددة أبرزها الإعتصام الذي رابط أكثر من خمسين يوما أمامها ونادى سياسيون ببيعها كما أحبطت مصالح الأمن خططا إرهابية لإستهدافها (واحدة على الأقل أعلنتها وزارة الداخلية).
المنعرج الحقيقي حصل في عهد حكومة مهدي جمعة وهنا نشير الى العلاقة الجيدة للمكلف بالإعلام برئاسة الحكومة مع نقابة التلفزة، وهوالمسؤول الوحيد من فريق مهدي جمعة الموجود حاليا في فريق يوسف الشاهد، حيث وقعت آنذاك دراسة متأنية وعميقة للمؤشرات والوضعية الإدارية والقانونية والمهنية للمؤسسة وكذلك مراجعة مقترحات قديمة وسابقة كما تم طلب رأي عديد الشخصيات من قطاع الإعلام بصفة منفردة وفي سرية تامة حول واقع التلفزة التونسية ومستقبلها وتبعا لذلك وقع إعداد خطة سرية غير معلنة لحد الآن على الأقل تحدد شكل وملامح التلفزة التونسية لسنة 2021 (نهاية تنفيذ الخطة) وتتمثل أساسا في ترك الأمور على حالها أي التأزم وإستغلال خروج عدد كبير للتقاعد سنويا بمعدل مائة تقريبا إنطلاقا من 2015 وكذلك تسريح عدد آخر حتى لا يتجاوز عدد المباشرين 500 موظف وهو الهدف المنشود في نهاية المخطط (2021)بعدما كان عدد المباشرين في 2012 يناهز 1400موظف وما يصاحب هذا الأمر من تقليل للمصاريف وتقشف والعدول عن الإنتاج والإنتداب لتعويض المغادرين للتقاعد عبر حصر الإنتاج للقناة الوطنية 1 وجعل الوطنية 2 للإعادات وبث الأرشيف (في إنتظار تحديد صبغة نهائية كشبابية وجهوية عند توفر الإمكانات) وإضافة قناتين جديدتين لا تكلفان الكثير لإنتاج برامجهما واحدة برلمانية (رصدت لها ميزانية تكميلية خاصة من المجلس) وأخرى رياضية تبث بطولة كرة القدم والرياضات الجماعية والفردية التي لا ترهق ميزانية المؤسسة وكذلك إستغلال الأرشيف الرياضي مع الإعتماد بنسبة أكبر على الخواص والمناولة للإنتاج لتجاوز النقص البشري مع رسكلة الموظفين المباشرين للقيام بمهام متعددة، ويبدو ان النية تتجه اليوم الى تنفيذ هذه الخطة ..
خطة تبدو جيدة للوهلة الأولى لدى البعض، طبعا لولا عديد الهنات والإخلالات شكلا ومضمونا ومنها طابع السرية الذي إكتنف مراحل إعداد وتنفيذ المخطط وكذلك إنفراد السلطة السياسية في البلاد بإتخاذ قرار تحديد مستقبل المرفق العمومي دون اشراك الهياكل المتدخلة على غرار الهايكا (حسب المرسوم116) والنقابات التي أبرمت مع بعضها إتفاقيات (مارس 2012 تغيير تركيبة مجلس إدارة التلفزة التونسية) علما وأن السلطة السياسية إستغلت جيدا الخلافات القائمة بين هذه الهياكل حول المرسومين 115و 116 وكذلك حول إتفاق تركيبة مجلس الإدارة حتى لا تصدر الأوامر الترتيبية اللازمة لتطبيقها لتطيل أمد الأزمة وتهرب قدر الإمكان من تأثير النفس التحرري الذي صبغ كل مطالب هياكل قطاع الإعلام وكان يمثل حماية لإستقلالية المرفق العمومي ونجاته من السيطرة والإخضاع للسلطة السياسية..
نجاعة هذه الخطة لإصلاح المؤسسة -إن كان هذا هدفها- غير محسوم والخوف من إحكام السيطرة على التوجه التحريري وتأثره بالتعليمات قائم الذات وجدّي بعد إحكام السيطرة على رصيدها البشري ومواردها والقوانين المسيّرة لها والتي لم تتغير فعليا منذ زمن بن علي لتبقى نقطة إستفهام حول مصير قطاع الأخبار وشكله في هذا المخطط الذي أفرد بخطة مستقلة لم نتمكن من معرفة حيثياتها نظرا للسرية الشديدة التي أحيطت بالأمر..
أسئلة عديدة مطروحة تخص الحكومة التي تعاملت مع التلفزة الوطنية بنفس تمشيات النظام القديم وعن دور إدارة المؤسسة وتجاوبها في ذلك وأسئلة أخرى حول مدى علم الهياكل المهنية بالمخطط أو بعض مسؤوليها وهل قدم بعضهم الضوء الأخضر؟.. ليبقى السؤال الأهم حول غاية الخطة وأهدافها فهل هي إعادة هيكلة بغرض الإصلاح أم الإخضاع أم هو «موت رحيم» لمؤسسة طال أمد أزمتها وخاب الرجاء فيها؟؟
سناء الماجري